الأحكام المتعلّقة بالكنية :
حكم التّكنّي بكنية النّبيّ صلى الله عليه وسلم :
اختلف العلماء في هذه المسألة إلى خمسة مذاهب :
الأوّل : لا يجوز التّكنّي بكنية النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهي : أبو القاسم وهو اسم ولده القاسم وكان أكبر أولاده صلّى اللّه عليه وعلى آله وصحبه وسلّم في زمن حياته , ويجوز بعد وفاته سواء كان اسم صاحب الكنية محمّداً أو لم يكن , لقوله صلى الله عليه وسلم : « سموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي » , حيث إنّ من أسباب ورود هذا الحديث : « أنّ رجلاً قال في السوق والنّبي صلى الله عليه وسلم موجود فيه : يا أبا القاسم فالتفت إليه النّبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنّما دعوت هذا ، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم : سموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي » ففهموا أنّ علّة النّهي خاصّة بزمن حياته للسّبب المذكور , وقد زالت العلّة بوفاته صلى الله عليه وسلم , ولحديث عليٍّ رضي الله عنه قال : « قلت يا رسول اللّه إن وُلِد لي من بعدك ولد أسمّيه باسمك وأكنّيه بكنيتك ؟ قال : نعم » , ولأنّ بعض الصّحابة سمّى ابنه محمّداً , وكنّاه أبا القاسم منهم أبو بكرٍ الصّدّيق , وطلحة بن عبيد اللّه , وسعد , وجعفر بن أبي طالبٍ , وعبد الرّحمن بن عوفٍ , وحاطب بن أبي بلتعة , والأشعث بن قيسٍ رضي الله عنهم ممّا يدل على أنّهم فهموا النّهي الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم : « سموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي » , مخصّص بزمن حياته صلى الله عليه وسلم لا ما بعده .
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة , وهو أحد الأقوال عند كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة رجّحه النّووي .
قال الحنفيّة : ومن كان اسمه محمّداً لا بأس بأن يكنّى أبا القاسم لأنّ قوله صلى الله عليه وسلم : « سموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي » قد نسخ وعلّق ابن عابدين على النّسخ بقوله : لعلّ وجهه زوال علّة النّهي بوفاته صلى الله عليه وسلم .
وقال عياض من المالكيّة : جمهور السّلف والخلف وفقهاء الأمصار على جواز التّسمية والتّكنية بأبي القاسم , والنّهي عنه منسوخ .
الثّاني : لا يجوز التّكنّي بكنيته صلى الله عليه وسلم مطلقاً , أي سواء كان اسم صاحب الكنية محمّداً أم لا , وسواء أكان ذلك في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أم لا , لحديث : « سموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي » .
وهو قول الشّافعيّ والمشهور في مذهبه , وهو رواية عند الحنابلة .
الثّالث : لا يجوز التّكنّي بكنيته صلى الله عليه وسلم لمن اسمه محمّد , ويجوز لغيره , سواء أكان ذلك في زمن حياته صلى الله عليه وسلم أم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لحديث : « لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي » , ولحديث : « سموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي » ولما ورد من حديث أبي هريرة أنّه قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نجمع بين اسمه وكنيته وقال : أنا أبو القاسم واللّه يعطي وأنا أقسم » , ولحديث : « من تسمّى باسمي فلا يكنّى بكنيتي » .
قال الرّافعي : يشبه أن يكون هذا هو الأصح , لأنّ النّاس لم يزالوا يفعلونه في جميع الأعصار من غير إنكارٍ .
وهو رواية عند الحنابلة .
الرّابع : لا يجوز التّسمية بمحمّدٍ مطلقاً ولا التّكنّي بأبي القاسم مطلقاً , حكاه الطّبريّ واحتجّ لصاحب هذا القول بما روي عن أنسٍ رضي الله عنه مرفوعاً : « تسمونهم محمّداً ثمّ تلعنونهم » , ولما روي من أنّ عمر رضي الله عنه كتب لا تسموا أحداً باسم نبيٍّ , قال عياض : والأشبه أنّ عمر رضي الله عنه إنّما فعل ذلك إعظاماً لاسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم , لئلا ينتهك , وقد سمع رجلاً يقول لمحمّد بن زيد بن الخطّاب يا محمّد فعل اللّه بك وفعل فدعاه وقال : لا أرى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسب بك فغيّر اسمه , وسمّاه عبد الرّحمن .
الخامس : لا يجوز التّكنّي بكنيته صلى الله عليه وسلم في حياته صلى الله عليه وسلم مطلقاً , أي سواء أكان اسم صاحب الكنية محمّداً أم لا , ويفصل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بين من اسمه محمّد أو أحمد فلا يجوز أن يكنّى بكنيته صلى الله عليه وسلم وبين من ليس اسمه محمّداً أو أحمد فيجوز أن يكنّى بكنيته صلى الله عليه وسلم .
قال ابن حجرٍ العسقلاني : هو أعدل المذاهب مع غرابته