أستفتح بالذي هو خير في حق أشرف وأطهر الخلق؛ أستفتح بكلام رب الأرباب ومسبب الأسباب بكلام العزيز الوهاب المؤدب والمزكي لمن كان خلقه القرآن حيث يقول ربنا جل في علاه في حق نبنا صلى الله عليه وسلم
( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين )
سورة المائدة الآية15
ويقول في حقه صلوات الله وسلامه عليه( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزعليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)
سورة التوبة الآية 128
فقد زكاه الله تعالى في كل شيء وكان من بينها أن زكاه في خلقه فقال ( وإنك لعلى خلق عظيم)
سورة القلم الآية4
وكيف لايكون لك ذلك يا حبيبي يا رسول الله وقد كان خلقك القرآن فعندما سئلت ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فما كان منها إلا أن أجابت وقالت: ( كان خلقه القرآن ), وكيف لا يكون له ذلك وقد كان مصحفاً يمشي على الأرض
كان خلقه القرآن، يسخط لسخطه ويرضى لرضاه , ولا ينتقم لنفسه ولا يغضب لها إلا أن تنتهك حرمات الله
كان خلقه القرآن، فكان أصدق الناس لهجة, وأوفاهم ذمة, وألينهم عريكة,وأكرمهم عشرة, وأشد حياء من العذراء في خدرها
كان خلقه القرآن، فلم يكن فاحشا ولا لعاناً ولا يجزي السيئة بالسيئة, لكن يعفو ويصفح, من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، ليس بفظ ولا غليظ صلوات الله وسلامه عليه
كان خلقه القرآن, فكان لا يقطع على أحد حديثه حتى يتعدى الحق فيقطعه بنهي أو قيام , لا يكذب قائلاً ولا يحقد عليه ولا يستحلفه على يمين , من رآه بديهة هابه , ومن خالطه أحبه, إذا التفت التفت معاً، وإذا أشار أشار براحة يده صلوات الله وسلامه عليه
كان خلقه القرآن، فيحفظ جاره ويكرم ضيفه ولا يمضي له وقت في غير عمل لله أو قيم لا بد منه, يحب التفاؤل ويكره التشاؤم، وما خيّّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً, يحب إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم صلوات الله وسلامه عليه
كان خلقه القرآن، يحب أصحابه ويشاورهم ويتفقدهم،يقبل معذرة المعتذر إليه،والقوي والضعيف والقريب والبعيد عنده في الحق سواء، وكان طويل السكت ؛لا يتكلم في غير حاجة وإذا تكلم افتتح كلامه باسم الله صلوات الله وسلامه عليه
وسرعان ما كانت الدموع تتقاطر من عينيه إذا سمع القرآن ، روى لنا ذلك عبد اللهبن مسعود رضي الله عنه فقال : " قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اقرأ عليّ ) ، قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ ، فقال : ( نعم ) ، فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } (النساء : 41 ) فقال : ( حسبك الآن ) ، فالتفتّ إليه ، فإذا عيناه تذرفان " ، رواه البخاري
فحريٌ بمن هذا خلقه ، حريٌٌٌٌ بهذا النبي العظيم أن يكون لنا خير قدوة وأفضل أسوةفهو الهادي البشير النذير المعلم صلوات الله وسلامه عليه
( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)ًً
سورة الأحزاب الآية 21