تتمة الموضوع ناقصات عقل ودين
الفروق بين الجنسين...تنطبق فقط على المجتمع الذي عملت فيه هذه البحوث تحت الظروف الخاصة بهذا المجتمع. وعلى ذلك فهي غير صالحة للتطبيق بوجه عام، ولكن مع ذلك، فلن نعدم وسيلة للاستفادة الجزئية ببعض ما جاء فيها).
*(الواقع أن أية مقارنة بين الجنسين تقوم فقط على النتائج الكلية لاختبارات الذكاء يحتمل أن تسفر عن نتائج غامضة، إذ أن الإناث يتفوقن في بعض القدرات، والذكور يتفوقون في قدرات أخرى.
وعلى ذلك، ففي أي اختبار للذكاء يتكون من أنواع غير متجانسة من الأسئلة، فإننا نتوقع أن التفوق في ناحية سيقابله ضعف في ناحية أخرى، وبذلك لا نخرج بنتيجة...وإن اختبارات الذكاء وحدها أي الدرجات الكلية التي يحصل عليها الأفراد في هذه الاختبارات لا تصلح بمفردها للحكم على الفروق بين الجنسين).
وهذا يفيد أن الفروق غير واضحة بين الرجل والمرأة في مستوى الذكاء العام وواضحة في القدرات الخاصة.
*(وقد يكون أجدى لنا أن نبحث الفروق الجنسية في القدرات الخاصة، ويمكننا الوقوف على بعض المعلومات المهمة من تحليل نتائج الاختبارات الفرعية التي يتكون منها عدد كبير من اختبارات الذكاء. وباتباع الطريقة الأولى أي المقارنة بين الجنسين في القدرات الخاصة، تجمعت كمية كبيرة من الحقائق في مختلف البحوث التي استخدمت مقاييس للقدرات اللفظية والعددية والمكانية وغير ذلك من القدرات المستقلة نسبياً...ومن الملاحظات المهمة في هذا الصدد أن الفروق بين الجنسين في هذه النواحي تتأخر في ظهورها عن القدرات الأخرى).
*(يتفوق الذكور في الاختبارات العددية التي تتطلب الاستدلال، ولا تظهر هذه الفروق بوضوح بين الجنسين إلا بعد انقضاء فترة في المرحلة الأولى للتعليم. وحينما طبق اختبار ستانفرد-بينيه، تفوق البنون بقدر له دلالته وكان ذلك واضحاً في مسائل الاستدلال الحسابي).
*(كثير من البحوث التي استخدم فيها مقاييس التقدير الذاتي للشخصية، والتي طبقت على مجموعة من الذكور والإناث الكبار، بينت أن هناك فروقاً بين الجنسين في النواحي الانفعالية...وكان من نتائج تطبيق (أحد البحوث) أنه تبين أن الرجال بالتأكيد أكثر ثباتاً من النساء، وأنهم أقل تعرضاً للعصاب...ومما يسترعي النظر أن اختبارات الاستعدادات والاتجاهات العصابية للأفراد الأصغر سناً، أثبتت أنه لا توجد فروق بين أفراد الجنسين الذين تقل أعمارهم عن الرابعة عشر...).
وهذا يفيد تأخر ظهور بعض الفروق إلى مرحلة ما بعد البلوغ سواء في بعض القدرات العقلية كالاستدلال الحسابي أو بعض سمات الشخصية كالجانب الانفعالي.
*(وقد تبين من هذا البحث أن الإناث حصلن على أعلى المتوسطات في كل من الميل الاجتماعي والجمالي والديني، في حين اتضح اهتمام الذكور بالميل الاقتصادي والنظري والسياسي. وطبيعي أن هذه النتائج يمكن تفسيرها في ضوء الظروف البيئية واختلاف التقاليد عند الجنسين وما ينتظره المجتمع من كل من الفريقين..).
*(ومن البحوث الشاملة في مشكلة الفروق بين الجنسين في سمات الشخصية، بحث ترمان ومايلز. وما وصلا إليه من مقياس (لتحليل تتالميول والاتجاهات).
ويتكون هذا المقياس من مجموعات من الأسئلة وضعت لكي تميز إلى أقصى حد ممكن بين الاتجاهات العامة في ردود كل من الرجال والنساء على الأسئلة، وبذلك فهي تعتبر مقياساً لمدى (الذكورة والأنوثة) وقد بني هذا المقياس على أساس دراسات طويلة ومستفيضة للغاية، وانتقيت الأسئلة انتقاء دقيقاً، بحيث شمل المقياس تلك الأسئلة التي بينت بوضوح تام أن هناك فروقاً بين أفراد الجنسين الذين يعيشون في المجتمع الأمريكي.
وقد جمعت البيانات من عدة مئات من الأفراد كان من بينهم أطفال بالمدارس الأولية والثانوية والمعاهد العليا والخريجين، وكان من بينهم أيضاً أشخاص كبار من غير المتعلمين ومن المتعلمين ومن أصحاب مختلف المهن، كما اشتملت العينات أيضاً على بعض مجموعات اختيرت من بين الأحداث المشردين، والكبار المنحرفين جنسياً، والرياضيين.
وقد كان لكل ذلك أثره في أن المقياس أثبت نجاحاً فائقاً في التمييز بين إجابات الرجال وإجابات النساء في المجتمع الأمريكي. وقد وجد في الوقت نفسه أن معامل الذكورة والأنوثة مرتبط إلى حد كبير بعوامل الخبرة المكتسبة من التربية والتعليم في المنزل أو في العمل...ووجد أن تأثير هذه العوامل أقوى من تأثير العوامل الجسمية.
كما اتضح أن النساء المتعلمات تعليماً عالياً، ولهن ثقافة متسعة يحصلن على درجات في هذه المقاييس أعلى من متوسط ما يحصل عليه النساء، وكأنهن بذلك يقتربن من الذكورة...ومعنى ذلك أن التربية والتعليم والخبرات التي يعانيها الأفراد تقرب بين وجهات النظر عندهم وتقلل من الفروق في الصفات المزاجية بين الجنسين...).
وهذا يفيد أن لظروف البيئة والعوامل الاجتماعية تأثيراً واضحاً ويزيد تأثيرها على تأثير العوامل الجسمية.
*(تبين أن هناك فروقاً كبيرة بين الجنسين في معظم الصفات الجسمية ومنها بناء الجسم بما في ذلك الهيكل العظمي، والتكوين العضلي العام سواء في ذلك العضلات الكبيرة او الدقيقة. وكذلك يختلف الجنسان في الوظائف الفسيولوجية والتكوين الكيميائي لبعض الإفرازات، وربما يمكن أن ترجع بعض الاختلافات السيكولوجية إلى تلك الفروق الجسمية...).
*(وهناك فرق آخر بين الجنسين في ثبات كثير من الوظائف الجسمية. فالذكور بصفة عامة، أقل تعرضاً من الإناث للتقلبات التي تعتري توازن البيئة العضوية الداخلية، أي أنهم أكثر ثباتاً، ولهم بعض الصفات المهمة التي تميزهم، ومنها الثبات النسبي لدرجة الحرارة، واتزان عمليتي الهدم البناء، وثبات النسبة بين المواد الحامضة والمواد القلوية في الدم، وكذلك مستوى السكر في الدم.
ومن المرجح أن شدة التذبذب في بعض الوظائف الجسمية عند الإناث بالقياس إلى الذكور قد تؤثر في نمو بعض الفروق وفي النواحي الانفعالية والسلوك العصابي وما أشبه ذلك...).
*(ومما لا شك فيه أن أساس الكثير من الفروق بين الجنسين يرجع إلى عوامل بيولوجية وحضارية مجتمعة...وإنه لمن المرجح أن العوامل البيولوجية وحدها تستطيع أن تسبب بعض الفروق في الصفات السيكولوجية، حتى ولو كانت جميع الشروط البيئية واحدة. وفي الوقت نفسه، يجب أن نضع نصب أعيينا أن هناك احتمالاً بأن العوامل البيئية ربما تؤثر تأثيراً مضاداً تماماً لتأثير العوامل البيولوجية...).
وهذه يفيد أن الفروق البدنية العضوية بين الجنسين كبيرة وأن لها تأثيراً أكيداً على النواحي النفسية ما لم تتدخل العوامل البيئية الاجتماعية تدخلاً قوياً فتحدث تأثيراً مضاداً.
وبعد أن نقلنا فقرات من ذلك المرجع الحديث في علم النفس، نعود للحديث الشريف.
والزاوية الثالثة التي سنعرض لها من الحديث النبوي هي الدلالة الخاصة لقوله –صلى الله عليه وآله وسلم-:
"ناقصات دين":
إن الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- حين سئل عن نقص الدين ذكر أمراً محدداً وهو نقص الصلاة والصيام في أيام الحيض والنفاس، فهو من ناحية نقص جزئي محصور في العبادة بل في بعض الشعائر فحسب حيث تقوم الحائض والنفساء بأداء مناسك الحج جميعاً عدا الطواف بالبيت كما أنها لا تهجر ذكر الله، والدين القيم إيمان وتقوى تتبع الإيمان ثم عبادات ثم أخلاق ومعاملات.
وهو من ناحية ثانية نقص مؤقت أي ليس دائماً في حياة المرأة كلها وإنما يقع في فترات قصيرة ثم إن الحيض ينقطع مع الحمل وهو تسعة أشهر متصلة وينعدم مع سن اليأس، ومن ناحية ثالثة فإن النقص ليس من كسب المرأة واختيارها والمرأة المؤمنة قد تشعر بالأسى لحرمانها من الصلاة والصيام ولكنها ترضى وتصبر على أمر قد كتبه الله عليها فيثيبها الله على هذا الرضا وذاك الصبر.
وقد تقوم المرأة المؤمنة بنوعين من التعويض لما يفوتها من صلوات:
أولهما : تعويض عاجل بعبادات أخرى مثل الدعاء الضارع والذكر الخاشع فتستغفر الله وتسبحه وتحمده وتكبره، وهذا النوع من التعويض يذكرنا بما فعلته عائشة –رضي الله عنها-حين فرض الحجاب على أمهات المؤمنين فمنعن الجهاد وهو أفضل العمل، فكان حرصها على الحج هو التعويض عما فاتها من فريضة الجهاد.
فعن عائشة –رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله ألا نغزو ونجاهد معكم؟ (وفي رواية: نرى الجهاد أفضل العمل) فقال: "لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور" فقالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-.
وثانيهما: تعويض آجل وذلك بالإكثار من صلاة النفل بعد الطهر من الحيض وهذا النوع الآجل يذكرنا بحرص عائشة على تعويض العمرة التي فاتتها بسبب الحيض.
قالت عائشة: دخل على النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- وأنا أبكي فقال:"ما يبكيك؟" قلت:...منعت العمرة (وفي رواية: قالت يا رسول الله: أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر) قال:"وما شأنك؟" قلت: لا أصلي، قال:"لا يضرك أنت من بنات آدم كتب عليك ما كتب عليهن فكوني في حجتك عسى الله أن يرزقكها"، قالت: فكنت حتى نفرنا من منى فنزلنا المحصب فدعا عبد الرحمن فقال:"اخرج بأختك الحرم فلتهل بعمرة".
وعلى ذلك نرى أنفسنا ملزمين بالوقوف عند حدود تفسير رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- للنقص لا نتعداه. أما إذا تجاوزنا هذه الحدود فسنخبط في متاهة الاحتمالات وربما خضنا في الأوهام، ونكون عندها قد وقعنا في محظور اتباع المتشابه. والمتشابه كما يقع في القرآن يمكن أن يقع في السنة وقد حذرنا الله تعالى فقال في محكم التنزيل:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}آل عمران-7.
وما الأحاديث الموضوعة والضعيفة، التي تنم عن الارتياب في عقل المرأة ودينها -ويكثر تداولها على الألسنة- إلا أثراً من آثار شطحات الوهم، وأصل هذا الوهم من بقايا جاهليات قديمة كان ينبغي أن يبرأ منه المسلمون، لكنه تثبت –مع الأسف- نتيجة تجاوز حدود تفسير الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- لنقص العقل والدين.
وأدى ذلك إلى طغيان كثير من التصورات الباطلة عن شخصية المرأة.
ومن هذه الأحاديث الموضوعة:
-حديث:"لا تعلمونهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف".
-حديث:"طاعة المرأة ندامة".
-حديث:"لولا النساء لعبد الله حقاً حقاً".
-حديث:"شاوروهن وخالفوهن".
ومن الأحاديث والآثار الضعيفة:
-حديث:"هلكت الرجال حين أطاعت النساء".
-حديث:"أعدى عدوك زوجتك".
أثر موقوف عن عمر بن الخطاب: (خالفوا النساء فإن في خلافهن بركة) الشيخ الدكتور محمد عبد الغفار الشريف