رسالة من الابنة كفاح إلى فلسطين
إلى السيدة المناضلة ..
الى صاحبة الطلقة الحمراء..
الى حاملة احزان الثورة..
أهديك نثر الفقراء ..
وعشق البسطاء ..
الى فلسطين ..
انه صمت دوما متقطع .. دوما نازف .. وحديثي معك سيدتي لايزال مستمرا فالأمر لم يعد قضيتي فحسب .. بل قضية الدول العربية بأسرها .. قضية المجتمعات المخمورة التي لم ترفض الموت ولم ترفض الاستدمار بخمولها وانهزاماتها .
أرجوك لاتفقدي صبرك .. فأيوب أورثك صبره واستأمنك عليه فلا تجعلي غضب الأنبياء يأكل عزتك وصلابتك .. شاريكيني ثورتك وقاسميني كفاحك .. رفضك للموت .. رفضك لكوننا اسرى .. لكوننا ضعفاء.
من لم يعشق ارضه سيدتي فليدفن قلبه في الطين .. ومن لم يتماد في التضحية الى ابعد الحدود من اجل حفنة تراب وطنه تبتلعه اللّعنة ومن لم يصن عرضه يطارده العار ومن لم يمسح دمع الوجه الطفولي يذبح ويرمى قذيفة لكلاب الصعاليك .
ايتها الشريدة في ليل المقاهي اللاهية .. لقد جئتك متسولة عبر حقول زيتونك وأنا ارسم جسدي على جدران سجونك وأصيح ملء السماء أيوب .. أيوب .. أيوب علمني صبرك .. واحتضنتني رعايتك .. أرضعتني حليب صدرك .. صرت لك ابنة اسميتها "كفاح".
حاول القراصنة اختطافي من بين ذراعيك مرارا حتى سلبوني منك .. أردت أن أبكي لكن حين سمعت أنين صوتك يطالب بإعادتي تحجرت الدموع في عيني وتجمد الريق في فمي وقلت لك أمي سوف أعود يوما ما ..
سلبوني..
علقوني ..
سجنوني..
كي أكون عبرة للآخرين .. للمتطفلين .. للمتسولين .. حملوني من بين ذراعيك سيدتي لأكون لامرأة غريبة عني .. أرضعوني لبنها المرّ وكأنه نبيذ أولئك الصعاليك .. رموني لأكون إبنة لعاهرة علمتني الرقص في بلاط الخونة.
رقصت أمي حتى الاعياء ,, حتى انهكني الدوران .. اخرستني الطبول وارهقتني الرحكات .. كنت أصلي النهار اليك وأرقص الليل لأرضيهم .. فعلت ذلك رغما عني سيدتي .
أنا (كفاح) ابنتك من الرضاعة باعني القراصنة الى بلاط الخونة لكي أكون مايريدون لا ما أريد وتريدينة اليّ .
لكني سيدتي بقيت شريفة في عيوني حملت البندقية وفي قلبي وضعت أداة الإنتقام وفي صدري حملت القنابل التي بها سوف افجر بلاطهم .. وأظافري نمت لتكون خناجر أمزق بها وجه سيدهم الذي سلب مني عرضي ونهك حرمتي وسجن بلادي.
(كفاح) سيدتي سوف تقاوم حتى النصر حتى الاستشهاد .. أعاهدك أمي بذلك .
ماتعريت سيدتي الا لأقنعك بأنني جريئة.. ومارقصت في بلاط الخونة الا لكي أنافقهم واقضي عليهم بطريقة شيطانية .. وما كنت جبانة الا لكي ارضيك وأغريهم بطريقة خبيثة .. لا تلومينني على هذه اللّهجة الجديدة .. فأنا تعلمت منهم القسوة .. تعلمت الدمار وتعلمت القتل الشتيع والانتقام البشع .. فهم لم يسلبوا بلادي فحسب بل سلبوني منك وسلبوا عرضي مني.
أنا باقية هنا لأخوض خلسة معركة الكرامة في جنوب أجساد اللصوص الطغاة وسوف اعبر ورفاقي بحر السداجة لنعود الى ارضك .. لكن ليس قبل أن ننتزع النصر من جذور الصعاليك .. ليس قبل أن أسترد عرضي .. ليس قبل أن أقتل سيدهم.. هذا عهد لك مني .. إنه الإنتقام ياأمي يحمله كل فلسطيني في وجده .. هذه الكلمات المشحونة بالقسوة هي لغة الوجد والعشق لم يكشفها مكتشفو اللغات الآخرى بعد .
ولأني فلاحة يا أمي ولدتها أرض الزيتون سوف أحمي الأرض من الدمار والعار وأحمي الشجر الأخضر من الاحتراق .. ولأني ابنتك لن أيأس فقد منحنا أيوب صبره ورثته أنت وحافظت عليه أنا .
سيدتي هذه الرسالة التي كتبتها لك أردتها أن تكون ردا جميلا على تبنيك لي .. أنا متسولة الحقول السمراء إن سقطت شهيدة معركة الكرامة فانقلي رفاتي وادفني جثتي تحت شجرة الزيتون الخضراء وفاء لأرضي ولك سيدتي.