كيف تكون محبوبا؟
المحبة أمر فطري، مركوز في نفس الإنسان. محبة موطنها القلب، وشعور بالميل نحو الغير، فتتبعه الإرادة نحو المحب، والمحبوب يستحكم قلوب محبيه، ويسلب مشاعرهم نحوه بإذن الله، حتى يصلا إلى التناسب الروحي الذي عبّر عنه الإمام ابن القيم بقوله: " فإن التناسب الذي بين الأرواح من أقوى أسباب المحبة ".
والمحبوب شخصية تميل إليها النفوس، وتتعلق بها القلوب، تسعد بلقياها، وتأنس بحديثها، فقد حصل التوافق بين روحك وروحه عندئذ، وهذا الميل والانجذاب للشخصية المحبوبة تسترعي الانتباه، وتستوقف المُحب.
لماذا يميل الناس إلى هذه الشخصية المحبوبة؟
لماذا يأنسون بلقياها؟ لماذا يسعدون بذكرها؟
كيف وصل المحبوب إلى هذه الدرجة؟
وهل يمكن أن أكون شخصية محبوبة؟
وما هي إلا الأرواح المجندة التي تأتلف بإذن الله.
إن هذه المحبة، وتلك الوشاجة الموثقة، والرابطة المؤكدة، جعلها الله في قلب المحبين كما قال سبحانه: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم:21].
مودة ورأفة، وفيض رحمة، وخلّة ومحبة.
إننا لنرى الرجل من المشرق، يتزوج بإمرأة من المغرب غريبة عنه، لا تربطه بها روابط قوية من القرابة، تختلف عنه في العادات والصفات، ما إن يقترنا بالزواج ويتم بينهما اللقاء والمعاشرة حتى تصبح كأنها جزء منه، ويصبح الرجل في نظر زوجته كأنه سويداء قلبها، لا تستطيع الحياة بدونه، إن غاب عنها شعرت بالكآبة والحزن حتى يرجع إليها، فمن الذي وضع هذه المحبة والعاطفة في قلب كل من الزوجين؟!{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً ورحمة}.
إن الإجابة عن هذا السؤال العام، تكفل بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( إن الله أذا أحبَّ عبداً دعا جبريل فقال: إني أحبُّ فلاناً فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض ) .
فهي طريق واضح، ومسار صالح، أن يحبك الله، فيحبك الخلق، فكيف بك إذا أحبك الله؟ ثم كيف إذا أحبك الناس؟ ولكن السؤال هنا: كيف يحبني الله، لكي يحبني الخلق؟
كي تحصل على محبة الله لابد من التماس هذه المسالك النافعة، والخطوات الرائدة، فهي الطريق الآمن الموصل للمراد:
1- أداء الواجبات
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ) .
فأداء الفرائض المختلفة أعظم أبواب محبة الله، وهي السبيل لرضاه، وهي الباب الموصل للمحبة، والأساس الثابت والمعين النابض.
2- كثرة النوافل
( ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه).
والنافلة هي الزيادة، ولذلك سمي الكريم كريماً لزيادة ما يتفضل به، فالذي يؤدي الحق الواجب لا يعتبر كريماً، بل مؤدياً للواجب.
ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( البخيل من ذكرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ ).
فحتى لا تكون بخيلاً، كلما سمعت ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - صليت عليه، ولكن تريد أن تكون كريماً فلا بدَّ لك من الإكثار والزيادة من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ، والنوافل أبوابها كثيرة، من الصلاة المتنوعة "قيام الليل، وصلاة الضحى، وصلاة الوتر، والسنن الراتبة ..."، ومن الصدقات، والتذكير بالكلام النافع "والكلمة الطيبة صدقة" إلى غير تلك النوافل من صيام تطوع، وذكر الله، ومساعدة للمحتاج ..
3- تلاوة القرآن
إن من أراد أن يحوز على محبة الله فليتأمل هذا الحديث الشريف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سرّه أن يحبه الله ورسوله فليقرأ من المصحف ) .
وقال خباب بن الأرت: ( تقرب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لست تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه ) .
وليعلم قارئ القرآن أن الملائكة تحبه، بل وتحب قربه، وللتأمل في هذا الحديث المدهش، فعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي قام المَلَك خلفه فيستمع لقراءته فيدنو منه، حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف المَلَك، فطهروا أفواهكم بالقرآن ).
4- التصدق بالابتسامة
"إنها لا تستغرق أكثر من لمح البصر، لكن ذكراها تبقى إلى آخر العمر" [ كيف يكون الداعية شخصية محبوبة؟ جاسم مهلهل، 19]
والابتسامة والملاطفة تدخل السرور على قلب محبك، وهكذا كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم كما روى جرير بن عبدالله رضي الله عنه: ( ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي ) [ متفق عليه ].
وما قاله عبدالله بن حارث: ( ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
وإن مريد الخير لمتبوعيه، عليه أن يكثر من هذه الصدقة النافعة.
وتأمل يا أخي هذه الحادثة والقصة المعبرة: كان عمرو بن العاص يكثر الجلوس في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ،وكان يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم اختصه بالمحبة والخلّة لكثرة ما كان يبتسم في وجهه، وإذا كان في مجلسه الشريف كانت عينا النبي صلى الله عليه وسلم تقع على عيني هذا الصحابي الجليل، فتبتهج النفس وتُسر. فأراد هذا الصحابي أن يُعمّق هذه المحبة بتأكيد السؤال على حبيبه صلى الله عليه وسلم، فينطلق السؤال من المحب: من أحب الناس إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة، قال المحب: بل من الرجال يا رسول الله. قال: أبو بكر (أبوها)، قال ثم من؟ قال: عمر، ولا يزال الأمل كبيراً عنده أن يكون من الركب الأول المحبوب عنده. قال: ثم من؟ فعدد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماءً من الصحابة، فقال عمرو بن العاص: ليتني ما سألت!!.
فلتنظر ولتتأمل كيف أسر النبي صلى الله عليه وسلم بنظراته وكلامه قلب هذا الصحابي، حتى ظنَّ أنه الحبيب الأول، ولتنظر صراحة النبي صلى الله عليه وسلم في أمر المحبة التي في قلبه، وانظر إلى أثر الابتسامة كيف تخترق القلوب؟!.
اللهم أجعلنا من المتحابين في الله
مع تحيات أخوكم سعيد