ماضي زوجتي!
لم يصدق عينيه والأرض تهتز من تحت قدميه، وبراكين الغضب وعنف الصدمة جعلته يتسمر في مكانه مشلولا!
كانت زوجته الحبيبة وأم أولاده قد غادرت البيت من الصباح الباكر، لزيارة أمها المريضة، والولد والبنت ذهبا إلي المدرسة. وتركوه وحيدا في البيت يوم إجازته الاسبوعية.
عندما استيقظ ووجد البيت خاليا، راوده شعور بالحنين إليهم جميعا افتقد الزوجة رغم أنها كانت تنام إلي جواره طوال الليل هو مازال يحبها بنفس الدرجة رغم السنوات والزواج والأولاد والروتين والملل!
ابتسم لنفسه وهو راقد الفراش عندما تذكر وجهها الحبيب وعاد شريط ذكريات العمر يجري من جديد ليذكره بأحلي وأسعد أيام حياته.
كان قد تخرج في الجامعة بتفوق وحصل علي وظيفة رائعة في مجال البترول وبدا أن الحياة تبشره بمستقبل سعيد بسرعة كان قد حصل علي رضاه وتقدير رؤسائه في العمل. بسرعة أخذ يترقي وأصبح يحصل علي مرتب خرافي يحسده عليه الجميع.
كان شابا جادا طوال حياته. لم تكن له مغامرات مثل كثيرين من أصدقائه كان يسمع أغاني الحب ويقرأ روايات الغرام لكنه أبدا لم تكن له تجربة عاطفية.
ولهذا وعندما قالت له أمه ذات يوم
مافاضلش يا حبيبي غير انك تكمل نصف دينك!
ابتسم لها في خجل.
لكن الأم كانت تعرف ولدها جيدا. وكان لديها حل المشكلة.
قالت له: وما تحملش هم.. عروستك عندي وجاهزة.. أجمل البنات وأكثرهن أدبا وخلقا.
نظر إليها في فضول..
فعادت تستطرد: نورا.. بنت الجيران.. حلوة ومؤدبة وأخلاق مافيش أحسن من كده.. وأنا حاطة عيني عليها يا حبيبي من سنين علشانك.. قلت إيه؟
لم يتعود من قبل أن يناقش أمه كانت طلباتها دائما عنده أوامر وكان متأكدا أن أمه تحبه بجنون وتتمني له كل الخير ودائما كانت اراؤها سديدة وحكيمة.
اكتفي فقط بسؤالها: انتي شايفة كده يا ماما؟
أخذته الي حضنها في فرح..
وقالت له: أيوه يا ضنايا.. وأنا بكرة هااكلم أمها.. وعلي بركة الله!
نظر في حب إلي صورة نورا الموضوعة علي الكمودينو إلي جوار الفراش. وعاد ليتذكر بقية شريط الذكريات.
حدث كل شيء بسرعة..
الخطوبة، فرحة الأهل والأصدقاء، في البداية كان مرتبكا من فكرة الزواج دون حب أن يرتبط الي الأبد بزوجة لم يكن قد عرفها أو تحدث اليها بكلمة واحدة من قبل كل الذي كان يعرفه عن نورا انها طالبة جامعية في السنة النهائية شاهدها مرات قليلة تدخل أو تخرج من باب بيت أسرتها المجاور كانت جميلة لكنها تبدو جادة في ملامحها ومحتشمة في ملابسها!
لكن ما لم يكن يخطر له علي بال حدث من أيام الخطوبة الأولي!
اكتشف أن نورا انسانة ليست جميلة فقط لكنها أكثر من رائعة.
وجدها رقيقة حالمة رومانسية..
اكتشف انها فتاة عاقلة ليست مثل كثير من الفتيات الطائشات في مثل عمرها.
وذهل عندما وجد تطابقا عجيبا بين أفكارها وآرائها وأفكاره وآرائه.
هي مثله تحب الموسيقي ولحظات الشروق والغروب وهي مثله تعشق القراءة والحياة الهادئة الناعمة.
لكن أكثر ما هزه انه بعد أيام قليلة من الخطوبة اكتشف ان مشاعرها نحوه عميقة. شعر أنها تحبه بالفعل كانت نظراتها له كلها حب وتقدير واحترام!
واهتز قلبه..
ووجد نفسه دون أن يشعر يبادلها الحب والتقدير وأسرع ذات يوم إلي أمه.
امسك يدها وامطرها بالقبلات وقال لها: ماما.. متي يتم عقد القران والزواج؟!
نهض من الفراش وهو في حالة خدر لذيذ من الذكريات..
ذهب الي المطبخ ليعد لنفسه فنجان قهوة الصباح. مرة أخري ابتسم عندما فارت كنكة القهوة علي النار.
قال لنفسه: ليس أحلي من فنجان القهوة والذي تصنعه لي نورا بيدها!
خرج من المطبخ يحمل فنجان القهوة الذي بلا وش وجلس علي مقعده المفضل في الصالون أشعل سيجارة. ومع دخانها توالت بقية مشاهد شريط الذكريات!
لم تستمر شهور الخطوبة طويلا وتم عقد القران والزفاف في يوم واحد وانتقل مع الحبيبة الي عش الزوجية.
ومضت الأيام ليكتشف انه لم يعش فقط شهر العسل مثل كل الازواج. مضي الشهر مثل حلم جميل. لكن العسل استمر كل الشهور والسنوات بعد ذلك كانت حياته مع نورا شهر عسل طويل ليس له نهاية!
كان يقول لنفسه أنه اسعد زوج في العالم وأن نورا أروع زوجة في الدنيا واكتملت سعادته عندما جاء الولد أولا ثم البنت لقد انجب هكذا الصبيان والبنات وأصبح يعيش في تبات!
وحده في البيت..
بعد أن عاش مع ذكرياته الجميلة فكر في الخروج ليذهب الي النادي عاد الي حجرة النوم وبدأ يبحث في الدولاب عن ملابسه الرياضية.
لم يجد شيئا مناسبا ففتح ضلفة دولاب نورا واخذ يبحث بين أكوام الملابس فجأة عثر علي صندوق صغير لم يكن قد شاهد نورا تحمله من قبل، صندوق غير علبة مجوهراتها لا يعرف لماذا فتح الصندوق.
لكنه كان قد فتح علي نفسه .. باب جهنم!
في الصندوق مجموعة خطابات
وأوراق جافة لوردة راح لونها الأحمر!
وبفضول امتدت يده ليقرأ الخطاب الأول لكنه بعد سطور قليلة لم يصدق عينيه اهتزت الارض تحت قدميه. وجعلته براكين الغضب وعنف الصدمة يتسمر مذهولا مشلولا!
مصيبة حطت علي رأسه مثل قنبلة!
كلها كانت خطابات غرام مرسلة الي زوجته حبيبته نورا من أحد زملاء الدراسة في الجامعة، الخطابات تكشف عن حكاية حب مشتعلة صحيح أنها حكاية قديمة وصحيح أن سطور رسائل الحب كما كتبها صاحبها تكشف ان نورا لم تكن متجاوبة مع كاتب الرسائل وصحيح أن تاريخ الحكاية قديم يعود الي أيام دراستها في الجامعة لكن!
كاد عقله ينفجر وهو يسأل نفسه:
لماذا احتفظت برسائل الحب القديم بعد الزواج وطوال هذه السنوات؟!
وما أدراه أنها ربما تكون قد راودها الحنين الي حبيب زمان؟
و.... و ..... و!
وجاءني وهو مهزوم منكسر محطم.
قال لي: حياتي أصبحت جحيما من الشكوك والظنون السوداء.. شبح ماضي زوجتي يطاردني كل لحظة.. ولا مفر من الطلاق!
سألت: بعيدا عن الشكوك والظنون.. هل تعتقد أو هل انت متأكد.. انها لم تكن مخلصة لك بعد الزواج؟
رد علي الفور: ابدا.. علي الاطلاق!
قلت له: اذن! اسمع يا صديقي
لست وحدك من بين الازواج الذي واجه مشكلة ماضي الزوجة نحن جميعا رجال الشرق لابد أن هذه الهواجس السوداء قد داهمتنا يوما ما ونحن الرجال الشرقيون مصابون بحالة من الانفصام والازدواج في الشخصية!
نحن الازواج لا مشكلة عندنا مع ماضي الرجل كل رجل فينا عاش قبل الزواج مغامرات عاطفية كثيرة ولا نعتبر ذلك عيبا لكننا عندما نفكر في الزواج، نبحث عن امرأة ليس لها آية تجارب سابقة نريد امرأة ذات صفحة بيضاء امرأة ولدت وعاشت راهبة قبل أن نلتقيها ونتزوج.
ونحن الرجال لا يمكن أن نغفر للزوجة أية تجربة بسيطة حتي لو كان خطوبة سابقة أو قصة حب عذرية أيام كانت مجرد فتاة صغيرة غير ناضجة ونحن الرجال مهووسون بالنبش في ماضي الزوجة ومعرفة تفاصيله.
وننسي أنه لا يوجد رجل أو امرأة معصوم أو معصومة من الخطأ، ونحن ننسي قول الله تعالي "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" ونحن نكيل بمكيالين نحاسب المرأة بقسوة ونغفر لأنفسنا بكل بساطة.
ونحن الرجال ينبغي علينا أن نعود الي تعاليم الاديان. التي تحرم النبش في الماضي. أو معاقبة التائب والتائبة نحن ننسي أن!
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة
من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتي يفضحه في عقر داره
طوبي لمن شغلته عيوب نفسه عن عيوب الناس
ان ماضي كل انسان يا صديقي ميت واكرام الميت دفنه ونبش القبور ليس من شيمة الناس النبلاء أصحاب الأخلاق.
ما يصم الزوج حقا هو اخلاص زوجته بعد الزواج وحتي اذا علم شيئا عن ماضيها قبل زواجه فعليه أن يراعي الله ولا يعاملها أو يعاقبها علي هذا الماضي بل يستر عليها ويحافظ عليها ويصونها.
قلت لصديقي: لا تكن متسرعا ومجنونا. وتهدم بيتك وتحطم سعادتك. وتشرد أولادك يكفيك اخلاصها من يوم خطبتك وزواجك منها.. أرجوك.. لا تكن غبيا.
لم يرد..
ونهض يغادر مكتبي.. في صمت.
لكن أزعم أنني رأيت في عينيه..
نظرة تسامح
منقول
المصدر : أخبار الحوادث - محمود صلاح
مع تحياتي سعيد