معالم الحضارة الأندلسية مازالت إلى يومنا هذا حية تشهد على تاريخ تطوان وتاريخ سكانها المحافظين. مازالت المدينة تحتفظ بفن المعمار الأندلسي داخل جدرانها، قصبتها، منازلها و قصورها بما تتميز به من أفنية و نافورات وحدائق وكذلك مازالت تحتفظ بصوامعها و أضرحتها وفنادقها القديمة. من جهة أخرى مازال سكان تطوان يحتفظون باللهجة الشعبية، بالموسيقى الأندلسية، بالطرز و بالصناعة التقليدية.
إلى جانب ما سلف ذكره من وجود قوي للحضارة الأندلسية هناك روافد ثقافية و أحداث تاريخية أخرى لها أثر واضح في بلورة هوية المدينة التي كانت بمثابة قنطرة بين شبه الجزيرة الإبيرية و باقي مناطق المغرب. فبعد اضطهادهم في جنوب إسبانيا منذ أواخر القرن الخامس عشر كما سلف الذكر مر المهاجرون الأندلسيون في ثلاث موجات عبر تطوان إلى باقي المدن المغربية كفاس و مكناس والرباط وسلا.
المواجهات العسكرية مع إسبانيا و البرتغال في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث كانت أساطيل تطوان تشكل خطرا دائما على مصالح العدو الخارجي، كان لها الأثر البالغ خاصة من الناحية العمرانية حيث بنيت قلع و أسوار للدفاع عن المدينة. . كذلك تجارة المغرب مع أوروبا(إسبانيا، إيطاليا و إنجلترا) خلال القرنين السابع عشر و الثامن عشر، كانت كلها عبر مدينة تطوان التي كانت آنذاك من أهم الموانئ المغربية حيث كانت البواخر تقوم برحلات بين تطوان و كل من جبل طارق، الجزائر، مرسيليا، ليفورن ...
الخمرينا سمير من ناحية أخرى وجود القناصل الأوربيين في تطوان كعاصمة دبلوماسية للمغرب في القرن الثامن عشر ساهم في تعزيز مكانتها في الخارج. و بالمناسبة من الطريف الإشارة إلى حادثة دبلوماسية بين المغرب و الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الحصار البحري الذي فرضته هذه الأخيرة على ليبيا مما أدى إلى طرد القنصل الأمريكي سيمسون من مدينة تطوان من طرف السلطان العلوي مولاي سليمان وإعلانه الحرب على الولايات الأمريكية المتحدة سنة 1802م. إذا، مرور التجار والمسافرين و المهاجرين و الجنود و المقاتلين وحتى القناصل ساهم بشكل جلي في انفتاح المدينة على العالم الأوروبي من جهة وعلى باقي مناطق و مدن المغرب من جهة أخرى. تغنى الشعراء بتطوان فلقبت تارة ب "أخت فاس" ليس فقط نظرا للعلاقات التجارية بين المدينتين في القرن الثامن عشر بل كذلك العلاقات الفكرية والدينية وهذا يفسر وجود بعض الزاويات من أصل فاسي كالزاوية الفاسية و الزاوية التيجانية. ولقبت تارة ب " أخت غرناطة" نظرا للتشابه بين المدينتين ونظرا لأصل سكانها الأوائل. ولقبت كذلك ب " القدس الصغيرة " مما يرمز إلى علاقتها بالمشرق العربي على إثر زيارات حجاجها و طلبتها إلى مكة المكرمة وإلى القاهرة و نابلس....وكذلك علاقات علمائها بشخصيات كالشيخ راشد رضا و شكيب أرسلان.
أما أثر الثقافة العثمانية فيتجلى في فن الطبخ خاصة الحلويات كالبقلاوة والقطا يف وفي اللباس التقليدي و كان ذلك على إثر استقبال تطوان للمهاجرين الجزائريين بعد سقوط الجزائر في يد الفرنسيين سنت 1830 ميلادية.
عرف القرن التاسع عشر انحطاطا في المغرب ككل بسبب التدخل الاقتصادي المباشر. وبالنسبة لتاريخ تطوان فقد كان هذا القرن بالفعل صفحة سوداء. عرفت المدينة فيه مرض الطاعون سنة 1800م ثم سنة 1818م وحصار مولاي زايد سنة 1822م و عانت من المجاعة سنة 1825م.
ثم حرب تطوان سنة 1860م، حيث استعمرت المدينة من طرف الأسبان ولم يخرجوا منها إلا سنة 1862م بعد دفع غرامات طائلة أودت باقتصاد البلاد إلى الهاوية. بل إن تدهور اقتصاد المدينة سبق حرب سنة 1860م، ففي سنة 1857م أغرق الأسبان عدة بواخر عند مدخل ميناء المدينة مما أوقف كل الأنشطة البحرية التي كانت المدينة تعتمد عليها في المجال الاقتصادي. تطوان: الحصار....والتحديسيدي الصعيديرغم الظروف الاقتصادية السلبية،بالاضافة الى الحصارالمفروض عليها في عملها الدؤوب من جهة اخرى،ومنع انشطتها وتحقيق مشاريعها المختلفة، استمرت تطوان في التحدي. عدة قصور بنيت في هذا القرن (القرن التاسع عشر)، كدار اللبادي وأفيلال والرزيني و بريشة وبنونة وبن عبود. بجانب الطابع الأندلسي تتميز هذه المباني بتأثيرات فن المعمار الأوروبي و خاصة في تقنيات البناء حيث ظهرت الأعمدة التي تميز منازل القرن الثامن عشر. وخير مثال على ذلك قصر الرزيني الذي يعتبر نموذجا لالتقاء الطراز الأندلسي العثماني بالطراز الأوروبي. أما في القرن العشرين فقد عرفت المدينة نمو اقتصادي و سياسي و فني جديد وذلك كعاصمة للحماية الإسبانية في شمال المغرب. تتميز أحياء تطوان بانتمائها إلى حقب تاريخية مختلفة وبتكيف طابعها الأندلسي مع العصور والأزمنة. يعود تاريخ بعض الأحياء القديمة ك حي السويقة إلى القرن الثاني عشر بينما يعود تاريخ الأحياء الأخرى إلى حقب متأخرة عن ذاك بكثير. هذه الأحياء العتيقة وما يميزها من ممرات وشوارع ضيقة، اكتسبت أسماء الحرف التي كانت أو مازالت تمارس فيها كالحدادين والنجارين و الطرافين والدباغين بالإضافة إلى ساحات سوق الحوت القديم، الغرسة الكبيرة، الوسعة، المصداع، السوق الفوقي و.و.و...مما جعل المنضمات العالمية تدرج تطوان ضمن لائحة أسماء المدن التاريخية التي يجب الحفاظ على معالمها وعلى تراثها الحضاري.
انتشار هذه الأحياء كانت له علاقة بوضع السكان الاجتماعي. فحارة العيون مثلا، كانت ابتداء من القرن التاسع عشر ذات طابع شعبي بينما حارة الجامع الكبير فكانت تعتبر ذات مرتبة اجتماعية أعلى. وحافظت بعض الأحياء الأخرى على وضعيتها رغم قدمها، كحارة المطامر التي بنيت على مجموعة مما يسمى المطمورات، كانت تستعمل لإيواء العبيد و الأسرى المسيحيين. من مميزات تطوان القديمة نذكر كذلك مثال الشبكة المائية تحت الأرض ( شكوندو) لتي كانت تزود عدة منازل بالماء حيث توجد نافورات لتزيين الأفنية. أحياء هذه المدينة القديمة محاطة بسور تتخلله أبواب سبعة هي باب النوادر، باب التوت، باب العقلة، باب المشوار، باب الرواح، باب الرموز ثم باب الجياف. وخارج هذا السور وعلى نمط إسباني كولونيا لي بنيت مدينة تطوان الجديدة ( شانتي ) وهي كلمة إسبانية تعني توسيع المدينة أو الحي الجديدة الذي كان ومازال يميز صورة المدينة بعماراته وساحاته كساحة مولاي المهدي وأسواقه كسوق البلاصا.
اسم تطوان تطاونبطاء مشددة بعدها ألف فواو فنون وهذه الصيغة هي التي ينطق بها جميع أهل المدينة كجل أهل البلاد المغربية في كلاهمهم العادي . وقد وردت في كتاب " نزهة المشتاق " للشريف الإدريسي السبتي الجغرافي العالمي الشهير المتوفي سنة 560 وبهذه الصيغة ذكرها أبو حامد الفاسي في مرآة المحاسن مرارا وردت أيضا في درة الحجال وفي كتاب الدولة السعدية وفي نفح الطيب المقري .تطاوينبواو مكسورة بعدها ياء فنون . هذه الصيغة نجدها مكتوبة في جل الوثائق والرسوم العدلية القديمة . وهي التي أثبتها وأيدها العلامة أبو علي اليوسي واعترض على الذين يسمونها تطوان وسماهم متصفحين . وأبو العباس الناصري مؤلف كتاب الاستقصا لا يذكرها في الغالب إلا بهذه الصيغة . وأستاذنا الرهوني قد ارتضاها وبناء عليها سمى كتابه :" عمدة الراوي في تاريخ تطاوين "تيطاوينبياء بين التاء والطاء ، وأخرى بين الواو والنون . وقد وردت هذه الصيغة في تاريخ ابن خلدون وكتاب البيدق المؤلف في القرن السادس وكتاب النفحة المسكية المؤلف في القرن العاشر .تطاونبتاء تليها طاء مشددة فألف فواو فألف فنون . هذه الصيغة ذكرها أبو عبيدة البكري الأندلسي في كتابه المسالك والممالك . وهو من رجال القرن الخامس ووفاته سنة 487 ه .تيطاوانمثل الصيغة التي قبلها بزيادة ياء بين التاء والطاء . وقد وردت في كتاب البكري أيضا وفي كتاب الاستبصار المؤلف في القرن السادس وفي كتاب النفحة المسكية .تيطاونبياء بين التاء والطاء وعدم الفصل بين الواو والنون . هكذا ذكرها عذاري المراكشي في حوادث سنة 347 من كتابه " البيان المغرب في أخبار المغرب " ووردت أيضا في مواضع متعددة من جزء مختصر من كتاب مناهل الصفا للفشتالي . وفي كتاب لقطة الفرائد لابن القاضي وكتاب النفحة المسكية . وهذه الصيغ السبع كلها بربرية ولا يعرف لها معنى في اللغة العربية أما في اللغة البربرية فمعناها ـ عين أو عيون ولعل سكانها الأقدمين من البربر سموها بذلك لكثرة العيون التي بها والله أعلم . أما النسبة على ه المدينة فهي تطاوني أو تطواني . ولم أجد أحد ينسب إليها بغير إحدى هاتين الصيغتين لا في القديم ولا في الحديث. وأما الإفرنج ففي اللغة الإسبانية والإنجليزية والألمانية والإيطالية تكتب tetouan وفي اللغة الفرنسية تكتب tetouan من المباني الأثرية و التاريخية التي تزخر بها المدينة نذكر على سبيل المثال لا الحصر الأماكن التالية: * مسجد الجامع الكبير الذي بناه السلطان مولاي إسماعيل في القرن الثامن عشر.* زاوية سيدي علي بن ريسون و زاوية سيدي علي بركة. * مدرسة لوقاش التي كانت مؤسسة علمية جهزت لاستقبال الطلبة من الخارج، خاصة من النواحي المجاورة وهي رمز للدور العلمي والمعرفي الذي لعبته المدينة.* قصر الخليفة الذي كان مقر خليفة الملك في عهد الحماية. بني في القرن السابع عشر و أعيد إصلاحه وترميمه سنة 1948 بحيث مازال يحتفظ بطابعه الأصلي كمثال على العمارة الأندلسية المغربية.* دار الصنعة أو مدرسة الفنون و الصناعة التقليدية أنشأت بهدف الحفاظ على مختلف الأوجه الفنية التي ميزت تطوان عبر القرون.* متحف السقالة الإثنوجرافي حيث يمكن مشاهدة الحياة التطوانية التقليدية وكل ما يميزها من فنون الطبخ و اللباس التقليدي، المجوهرات، الموسيقى وكذلك الأسلحة التي كانت تستعمل في الحروب.
* قصبة جبل درسة. * مدرسة الفنون الجميلة.* المعهد الموسيقي.* المكتبة العامة و المحفوظات التي تعتبر من أكبر وأهم مكتبات المملكة وهناك عشرات المكتبات الشخصية الفريدة من نوعها.
خاتمةبجانب هذه المعطيات التاريخية هناك عوامل أخرى جعلت من تطوان محطة اهتمام الدارسين و المستثمرين. فللمدينة موقع استراتيجي على بعد أقل من 10 كم من شاطئ البحر الأبيض المتوسط حيث أقيمت مركبات سياحية على طول شواطئ المنطقة كالرأس الأسود- كابونيكرو و كابيلا و مارينا سمير وريستنجا وشاطئ الأمين و البهية مما يجلب الكثير من السياح من الداخل والخارج حيث تكتظ المدينة ونواحيها بهذه الأعداد الهائلة من الزوار الشيء الذي يستوجب تجديد و إعادة هيكلة البنية التحتية للاستفادة من مؤهلات هذه المنطقة بشكل أفضل وللحفاظ على إرثها الثقافي و الحضاري لأجيال المستقبل.