- يعتبر الخوف من الانفعالات الشائعة في حياة الأطفال التي قد تلازمهم في مراحل متقدمة من عمرهم، وقد تترك معالم إيجابية أو سلبية في شخصياتهم.
ويعرف الخوف على أنه إحساس ينبع من الداخل بهدف حفظ الذات، أو هو انفعال قوي غير سار، ينتج عن الإحساس بوجود خطر أو توقع حدوث خطر.
ويعتبر الخوف أمراً طبيعياً عفوياً إذا بقي في حدود الحذر والقلق، أما إذا تجاوزه إلى الهلع والفزع، فإنه يمثل حالة مرضية قد تشل فعالية الإنسان، وتفقده ارادته وتماسكه.
الشعور بالخوف:
وهو حالة انفعالية داخلية وطبيعية موجودة لدى كل إنسان يسلك خلالها سلوكاً يبعده عن مصادر الأذى. فعندما نقف على سطح عمارة بدون سياج، نجد أنفسنا ونحن نبتعد عن حافة السطح شعوراً منا بالخوف من السقوط.
وهكذا فالخوف طريقة وقائية تقي الإنسان من المخاطر، وهذا شعور فطري لدى الإنسان، هام وضروري.
غير أن الخوف ذاته قد يكون غير طبيعي وضار جداً، وهو يرتبط بشيء معين، بصورة لا تتناسب مع حقيقة هذا الشيء في الواقع ـ أي أن الخوف يرتبط بشيء غير مخيف في طبيعته ـ ويدوم ذلك لفترة زمنية طويلة مسبباً تجنب الطفل للشيء المخيف، مما يعرضه لسوء التكيف الذي ينعكس بوضوح على سلوكه في صورة قصور وإحجام، وقد يرتبط هذا الخوف بأي شيء واقعي، أو حدث تخيلي، كأن يخاف الطفل من المدرسة أو الامتحانات أو الطبيب أو الظلام أو الرعد وما شابه ذلك، وقد يصاحب الخوف لديهم نوبات من الهلع الحاد، ويتمثل ذلك في سرعة التنفس أو التعرق الشديد، أو الدوار أو الغثيان، أو سرعة دقات القلب، أو تكرار التبول أوعدم السيطرة على النفس.
وكل هذا قد يحدث فجأة وبشدة وبدون سابق إنذار.
أسباب الخوف:
1- التربية الخاطئة، وتتمثل في:ـ
- إصدار الأوامر المتناقضة والاستجوابات المتكررة من قبل أشخاص مختلفين.
- الضرب المبرح، الأمر والنهي المتكرر، معاملة الطفل بقسوة أمام أصدقائه.
- كثرة الخلافات الزوجية مما يهدد أمن الطفل.
- تكرر معايرة الطفل بعيوبه بالأخص أمام الآخرين.
- الخوف الشديد من الأبوين، الأمر الذي ينعكس على الطفل.
- الإيحاءات المرعبة كالتهديد بالحبس الإنفرادي أو قطع اللسان، وما شابه ذلك.
- التحدث عن بعض الظواهر التي يجهلها الطفل مثل الجن والعفاريت والأشباح.
- تطبيق التعليمات الانضباطية القاسية على الطفل، بحيث تموت فيه روح الجرأة.
- مشاهدة الطفل لاعمال مثيرة للرعب كالعمليات الجراحية.
- توليد الشعور بالحرمان واليأس لدى الطفل بسبب طرده ومنعه من مشاركة الآخرين في الأعمال التي يرغب فيها.
2- التغيير في البيئة المحيطة.
يؤدي التغيير في البيئة المحيطة إلى ظهور حالة من الخوف على الإنسان بسبب عدم معرفته بالظروف الجديدة التي تختلف مع تلك التي تعوّد عليها، فدخول الطفل إلى المدرسة مثلاً يعني تقيده بنظام معين في السير والحضور والانصراف والإلزام، وهو جو مغاير لذلك الذي تعوّد عليه في البيت، حيث حرية الحركة، والتصرف والقرب من الأبوين.
3- المرض.
تكون المخاوف في بعض الأحيان مرضية، فالخلل العصبي بكافة أنواعه وعدم التوازن في الجسم أو في الجهاز العصبي والعيش مع الاوهام والخيالات يمكن أن يكون من مسببات الخوف والاضطراب، كالخوف من الظلام أو الفشل وما شابه ذلك.
4- الجهل.
وهو بعكس الوعي والإدراك، يكون الجهل بماهية الشيء دافعاً للخوف.
5- الإدراك والوعي.
كخوف الإنسان من حيوان مفترس أيضاً.
6- الاكتساب.
تنتج معظم مخاوف الأفراد وخاصة الأطفال بالتعلّم والاكتساب، بمعنى أن الطفل يتعلم من أبويه والأفراد المحيطين به الخوف من أشياء وأشخاص وأوضاع معينة، ويكون التعلم هنا نتيجة المشاهدة كأن يشاهد خوف الأب أو الأم من بعض الأمور، فيقلد ذلك الخوف ثم ينمو هذا التقليد لتنشأعنده قاعدة الخوف.
كما يمكن أن يسمع الإنسان خوف الآخرين، فيتبنى نفس الخوف بصورة لا شعورية.
7- العامل النفسي.
إن الإحساس بالذنب والخوف من الإنتقام والعقوبة والإحساس بوطأة الجريمة، هي دوافع نفسية تبعث على الإضطراب وبروز حالات الخوف.
8- التجارب الخاصة.
ينشأ الخوف أحياناً بسبب خوض تجارب سيئة أو مؤلمة ، كخوف الطفل مثلاً من زيارة الطبيب، لأنه سبق وحقنه بإبرة موجعة، وهنا يسعى الإنسان لتحاشي الوقوع في حالة مشابهة لتفادي الاحساس بالألم والمرارة.
أعراض الخوف:
وتنقسم أعراض الخوف بوجه عام إلى قسمين:ـ
1- الأعراض الظاهرية.
وهي مجموعة من التغيرات الطبيعية التي تطرأ على الإنسان ويمكن ملاحظتها، وذلك مثل:ـ الارتباك ، والقشعريرة، وارتعاش الجسم، والتعب المفرط، والشعور بالإعياء، وشحوب اللون، واصفرار الوجه، والذهول، وجفاف الفم وقد تصعب حركة اللسان في داخله مما يعسّر عملية النطق، ونضوح قطرات من العرق على الوجه، والإحمرار المفاجئ في الوجه في كثير من الأحيان.
2- الأعراض الداخلية.
وتؤثر هذه الحالة الشعورية أيضاً على داخل الإنسان مما يحدث فيه مجموعة من التغيرات التي تبرز في عدة صور وحالات مثل:ـ الشعور بالحيرة، واضطراب المزاج، وتقلص الأوتار الصوتية، واختلال الفهم والإدراك، وعدم انتظام ضربات القلب، وضعف المقدرة على التركيز والتمييز بوضوح، واختلال الشهية كالشعور بالشبع مع وجود حالة الجوع.
متى يصبح الخوف مرضاً؟
يقول الخبراء، إن انعدام الخوف في طفل ما قد يكون نادراً للغاية، وتعليل عدم خوفه يرجع عادة إلى قلة الإدراك كما هو الحال في ضعاف العقول الذين لا يدركون مواطن الخطر، وعلى هذا الإساس فهناك فرق بين الخوف العادي عند الطفل أو عند الشخص البالغ، وبين الخوف المرضي.
فالخوف العادي، شعور طبيعي يحسه كل إنسان طفلاً أو بالغاً، مثل الخوف من حيوان مفترس يقترب منه، فيشعر بالخوف والقلق على حياته، ومن ثم يسلك سلوكاً ضرورياً للمحافظة على حياته هو الهرب من خطر حقيقي، وبذلك فهو خوف عادي موضوعي وليس خوفاً مرضياً.
أما الخوف المرضي، فهو خوف شاذ مبالغ فيه ومتكرر وشبه دائم، مما لا يخيف أغلب من في سن الطفل عادة، وقد يكون الخوف عاماً غير محدد، أو وهمي.
وقد يلجأ بعض الآباء إلى تخويف الطفل لدفعه لعمل معين أو لمنعه عن اللعب أو إحداث ضوضاء والرجوع إلى السكون فرضاً لسلطتهم المطلقة على أطفالهم بإثارة الخوف في أنفسهم، فقد يخيفونهم بالطبيب أو بالمدرس أو بالشرطي، كوسيلة لغرس السلوك الطيب في نفوسهم، أو لعقابهم، بل إن بعض الآباء قد يلجأ إلى تخويف الطفل لينام في ساعة محددة، فيخيفونه بالعفريت أو بعض الحيوانات.
الوقاية من الخوف:
لوقاية الطفل من الشعور بالخوف، ينصح باتباع التالي:
1- توفير الجو العائلي الذي يتصف بالهدوء والاستقرار.
2- تجنب أسلوب التهديد والوعيد في التربية، فهذا يفقد الطفل الشعور بالأمن.
3- إبعاد الطفل عن مثيرات الخوف كالمآتم والروايات المخيفة والمشاهد المفزعة.
4- أن يكون سلوك الآباء متزناً وهادئاً خالياً من الهلع والفزع في أي موقف من المواقف، خصوصاً إذا مرض الطفل أو أصابه مكروه.
5- دعم روح الاستقرار والاعتماد على النفس في الطفل كلما أمكن، مما يساعد على تكوين الثقة في النفس، مع إشعاره بالتقدير والاحترام والإقلاع عن عادة المقارنة بينه وبين إخوته أو أقرانه.
6- إحاطة الطفل بجو من الدفء العاطفي والمحبة، ليشعر بالأمن والطمأنينة، فالطفل الصغير كالإنسان الذي داخل غابة يجهل ما فيها ويخشاها، ولذلك يجب علينا مساعدته حتى يتعامل مع مواقف الحياة دون خوف أو رهبة.
7- إن رأى الطفل ما يخيفه أو يزعجه، فلا تساعده على نسيان الأمر، فالنسيان يدفن المخاوف في النفس، ثم تصبح مصدراً للقلق والاضطراب النفسي، لذا عليك أن تتفاهم مع الطفل وتوضح له الأمور بما يجعله يهون على نفسه ولا يبالغ في الخوف.
8- يجب أن يستعمل الآباء انفعال الخوف البناء في تنمية شخصية الطفل وتعويده النظام والواجب دون مبالغة ودون تخويف، فنساعده بذلك على المحافظة على نفسه وعلى التكيف في المجتمع، وعلى النجاح في حياته المدرسية والعملية.
9- على الآباء مساعدة الطفل على مواجهة المواقف التي ارتبطت في ذهنه بانفعال الخوف، كالخوف من القطط أو الكلاب أو غيرها، وذلك بتشجيعه دون دفعه دفعاً شديداً قسراً عنه، أو زجره، أو نقده، بل يجب أن نلقنه الحقائق ونوضح له أنه لا خطورة في الموقف إلى أن يمتنع ويسلك السلوك السوي بدافع من نفسه، واعتماداً على ثقته بأبيه وأمه ومن حوله من الأهل